فصل: سنة ست وثلاثين ومائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.سنة أربع وثلاثين ومائة:

.ذكر خلع بسام بن إبراهيم:

وفي هذه السنة خلع بسام بن إبراهيم بن بسام، وكان من فرسان أهل خراسان وسار من عسكر السفاح هو وجماعة على رأية ساً إلى المدائن، فوجه إليهم السفاح خازم بن خزيمة، فاقتتلوا، فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم وقتل كل من لحقه منهزماً؛ ثم انصرف فمر بذات المطامير، وبها أخوال السفاح من بين عبد المدان، وهم خمسة وثلاثون رجلاً، ومن غيرهم ثمانية عشر رجلاً، ومن مواليهم سبعة عشر، فلم سلم عليهم، فلما جازهم شتموه، وكان في قلبه عليهم لما بلغه من حال المغيرة، فقالوا: مر بنا رجل مجتاز لا نعرفه فأقام في قريتنا ليلة ثم خرج عنا.
فقال لهم: أنتم أخوال أمير المؤمنين يأتيكم عدوه ويأمن في قريتكم! فهلا اجتمعتم فأخذتموه! فأغلظوا له في الجواب، فأمر بهم فضربت أعناقهم جميعاً وهدم دورهم ونهب أموالهم ثم انصرف.
فبلغ ذلك اليمانية فاجتمعوا، ودخل زياد بن عبيد الله الحارثي معهم على السفاح، فقالوا له: إن خازماً اجترأ عليك واستخف بحقك وقتل أخوالك الذين قطعوا البلاد وأتوك معتزين بك طالبين معروفك حتى صاروا في جوارك، قتلهم خازم وهدم دورهم ونهب أموالهم بلا حث احدثوه. فهم بقتل خازم فبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا الجهم بن عطية، فدخلا على السفاح وقالا: يا امير المؤمنين بلغنا ما كان من هؤلاء وأنك هممت بقتل خازم، وإنا نعيذك بالله من ذلك، فإن له طاعة وسابقة وهو يحتمل له ما صنع، فإن شيعتكم من أهل خراسان قد آثروكم على الأقارب والأولاد وقتلوا من خالفكم، وأنت أحق من تغمد إساءة مسيئهم، فإن كنت لا بد مجمعاً على قتله فلا تتولى ذلك بنفسك وابعثه لأمرٍ إن قتل فيه كنت قد بلغت الذي تريد، وإن ظفر كان ظفره لك.
وأشاوا عليه بتوجيهه إلى من بعمان من الخوارج وإلى الخوارج الذين يجزيرة بركاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري، فامر السفاح بتوجيهه مع سبعمائة رجل، وكتب إلى سليمان بن علي، وهو على البصرة، بحملهم إلى جزيرة بركاوان وعمان، فسار خازم.

.ذكر أمر الخوارج وقتل شيبان بن عبد العزيز:

فلما سار خازم إلى البصرة في الجند الذين معه، وكان قد انتخب من أهله وعشيرته ومواليه من أهل مرو الروذ من يثق به، فلما وصل البصرة حملهم سليمان في السفن وانضم إليه بالبصرة أيضاً عدة من بين تميم، فساروا في البحر حتى أرسوا بجزيرة بركاوان، فوجه خازم فضله بن نعيم النهشلي في خمسمائة إلى سشيبان، فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فركب شيبان وأصحابه السفن وساروا إلى عمان، وهم صفرية. فلما صاروا إلى عمان قاتلهم الجلندى وأصحابه، وهم إباضية، واشتد القتال بينهم، فقتل شيبان ومن معه؛ وقد تقدم سنة تسع وعشرين ومائة قتل شيبان على هذا السياق.
ثم سار خازم في البحر بمن معه حتى أرسوا إلى ساحل عمان، فخرجوا إلى الصحراء، فلقيهم الجلندى وأصحابه واقتتلوا قتالاً شديداً،فقتل يومئذ من الخوارج تسعمائة وأحرق منهم نحو من تسعين رجلاً، ثم التقوا بعد سبعة أيام من مقدم خازم على رأي أشار به بعض أصحاب خازم، أشار عليه أن يأمر أصحابه فيجعلوا على أطراف أسنتهم المشقة ويرووها بانفط ويشعلوا فيها النيران ثم يمشوا بها حتى يضرموها في بيوت أصحاب الجلندى، وكانت من خشب، فلما فعل ذلك وأضرمت بيوتهم بالنيران اشتغلوا بها وبمن فيها من أولادهم وأهاليهم، فحمل عليهم خازم وأصحابه فوضعوا فيهم السيف فقتلوهم وقتلوا الجلندى فيمن قتل، وبلغ عدة القتلى عشرة آلاف، وبعث برؤوسهم إلى البصرة، فأرسلها سليمان إلى السفاح،و أقام خازم بعد ذلك أشهراً حتى استقدمه السفاح فقدم.

.ذكر غزوة كش:

وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل الاخريد ملكها، وهو سامع مطيع، وقتل أصحابه وأخذ منهم من الأواني الصينية المنقوشة المذهبة ما لم ير مثلها، ومن السروج ومتاع الصين كله من الديباج والطرف شيئاً كثيراً فحمله إلى أبي مسلم وهو بسمرقند، وقتل عدة من دهاقينهم، واستحيا طاران أخا الأخريد وملكه على كش؛ وانصرف أبو مسلم إلى مرو بعد أن قتل في أهل الصغد وبخارى؛ وأمر ببناء سور سمرقند، واستخلف زياد ابن صالح عليها وعلى بخارى، ورجع أبو داود إلى بلخ.

.ذكر حال منصور بن جمهور:

وفي هذه السنة وجه السفاح موسى بن كعب إلى السند لقتال منصور بن جمهور،فسار واستخلف مكانه على شرط السفاح المسيب بن زهير، وقدم موسى السند قلقي منصوراً في اثني عشر ألفاً، فانهزم منصور ومن معه ومضى فمات عطشاً في الرمال، وقد قيل أصابه بطنه فمات. وسمع خليفته على السند بهزيمته فرحل بعيال منصور وثقله فدخل بهم بلاد الخزر.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها توفي محمد بن يزيد بن عبد الله وهو على اليمن، فاستعمل السفاح مكانه علي بن الربيع بن عبد الله.
وفيها تحول السفاح من الحيرة إلى الأنبار في ذي الحجة. وفيها ضرب المنار من الكوفة إلى مكة والأميال.
وحج بالناس هذه السنة عيسى بن موسى وهو على الكوفة.
وكان على قضاء الكوفة ابن أبي ليلى، وعلى المدينة ومكة والطائف واليمامة زياد بن عيد الله، وعلى اليمن علي بن الربيع الحارثي، وعلى البصرة وأعمالها وكور دجلة وعمان سليمان بن علي، وعلى فلسطين صالح ابن علي، وعلى مصر أبو عون، وعلى الموصل إسماعيل بن علي، وعلى أمينية يزيد بن أسيد، وعلى أذربيجان محمد بن صول، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك، وعلى الجزيرة أبو جعفر المنصور.
وكان عامله على أذربيجان وأرمينية من ذكرنا، وعلى الشام عبد الله بن علي.
وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن سعد بن أبي وقاص. وسعد بن عمر ابن سليم الزرقي. ثم دخلت:

.سنة خمس وثلاثين ومائة:

.ذكر خروج زياد بن صالح:

في هذه السنة خرج زياد بن صالح وراء النهر، فسار أبو مسلم من مرو مستعداً للقائه، وبعث أبو داود خالد بن إبراهيم نصر بن راشد إلى ترمذ مخافة أن يبعث زياد بن صالح إلى حصن والسفن فيأخذها، ففعل ذلك نصر وأقام بها، فخرج عليه ناس من الطالقان مع رجل يكنى أبا إسحاق فقتلوا نصراً. فلما بلغ ذلك أبا داود بعث عيسى بن ماهان في تتبع قتله نصر، فتبعهم فقتلهم.
ومضى أبو مسلم مسرعاً حتى انتهى إلى آمل ومعه سباع بن النعمان الأزدي، وهو الذي كان قد أرسله السفاح إلى زياد بن صالح وأمره إن رأى فرصة أن يثبت على أبي مسلم فيقتله.
فأخبر أبو مسلم بذلك، فحبس سباعاً ببآمل، وعبر أبو سملم إلى بخارى، فلما نزلها أتاه عدة من قواد زياد قد خلعوا زياداً فأخبروا أبا مسلم أن سباع بان النعمان هو الذي أفسد زياداً، فكتب إلى عامله بآمل أن يقتله، ولما أسلم زياداً قواده ولحقوا بأبي مسلم لجأ إلى دهقان هناك فقتله وحمل رأسه إلى أبي مسلم.
وتأخر أو داود عن أبي مسلم لحال أهل الطالقان، فكتب إليه أبو مسلم يخبره بقتل زياد، فأتى كش وأرسل عيسى بن ماهان إلى بسام وبعث جنداً إلى ساعر فطلبوا الصلح، فأجيبوا إلى ذلك.
وأما بسام فلم يصل عيسى إلى شيء منه، وكتب عيسى إلى كامل بن مظفر صاحب أبي مسلم يعتب أبا داودوينسبه إلى العصبية، فبعث أبو مسلم بالكتب إلى أب داود، وكتب إليه: إن هذه كتب العلج الذي صيرته عدل نفسك فشأنك به. فكتب أبو داود إلى عيسى يستدعيه، فلما حضر عنده حبسه وضربه ثم أخرجه، فوثب عليه الجند فقتلوه، ورجع أبو مسلم إلى مرو.

.ذكر غزو جزيرة صقلية:

وفي هذه السنة غزا عبد الله بن حبيب جزيرة صقلية وغنم بها وسبى وظفر بها ما لم يظفره أحد قبله بعد أن غزا تلمسان، واشتغل ولاة إفريقية بالفتنة مع البربر، فأمن الصقلية وعمرها الروم من جميع الجهات وعمروا فيها الحصون والمعاقل وصاروا يخرجون كل عام مراكب تطوف بالجزيرة وتذب عنها، وربما طارقوا تجاراً من المسلمين فيأخذونهم.

.ذكر عدة حوادث:

حج بالناس هذه السنة سليمان بن علي، وهو على البصرة وأعمالها، وكان العمال من تقدم ذكرهم.
وفيها مات أبو خازم الأعرج، وقيل: سنة أربعين، وقيل سنة أربع وأربعين. وفيها مات عطاء بن عبد الله مولى المطلب، وقيل: مولى المهلب، وقيل: هو عطاء بن ميسرة، ويكنى أبا عثمان الخراساني، وقيل سنة أربع وثلاثين. وفيها مات يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بتن عباس بفارس، وكان أميراً عليها، وكان قبل ذلك أميراً على الموصل. وفيها توفي ثور بن زيد الدئلي، وكان ثقة. وزياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان من البطال.
عياش بالياء المثناة من تحت، وبالشين المعجمة. ثم دخلت:

.سنة ست وثلاثين ومائة:

.ذكر حج أبي جعفر وأبي مسلم:

وفي هذه السنة كتب أبو مسلم إلى السفاح يسأذنه في القدوم عليه والحج، وكان مذ ملك خراسان لم يفارقها إلى هذه السنة. فكتب إليه السفاح يأمره بالقدوم عليه في خمسمائة من الجند، فكتب أبو مسلم إليه: إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي. فكتب إليه: أن أقبل في ألف، فإنما أنت في سلطان أهلك ودولتك وطريق مكة لا يتحمل العسكر.
فسار في ثمانية آلاف فرقهم فيما بين نيسابور والري، وقدم بالأموال والخزائن فخلفها بالري، وجمع أيضاً أموال الجبل، وقدم في ألف، فأمر السفاح القواد وسائر الناس أن يتلقوه، فدخل أبو سملم على السفاح، فأكرمه وأعظمه، ثم استأذن السفاح في الحج، فاذن له وقال: لولا أن لأبا جعفر، يعني أخاه المنصور، يريد الحج لا ستعملتك على الموسم؛ وأنزله قريباً منه.
وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعداً لأن السفاح كان بعث أبا جعفر إلى خراسان بعدما صفت الأمور له ومعه عهد أبي مسلم بخراسان وبالبيعة للسفاح وأبي جعفر المنصور من بعده، فبايع لهما أبو مسلم وأهل خراسان، وكان أبو مسلم قد استخف بأبي جعفر؛ فلما رجع أخبر السفاح ما كان من أمر أبي مسلم، فلما قدم أبو سملم هذه المرة قال أبو جعفر للسفاح: أطعني وأتقل أبا مسلم، فوالله إن في رأسه لغدرة. فقال: قد عرفت بلاءه وما كان منه. فقال أبو جعفر: إنما كان بدولتنا، والله لو بعثت سنوراً لقام مقامه وبلغ ما بلغ. فقال: كيف نقتله؟ قال: إذا دخل عليك وحادثته ضربته أنا من خلفه ضربة قتلته بها. قال: فكيف بأصحابه؟ قال: أبو جعفر: لو قتل لتفرقوا وذلوا. فأمره بقتله، وخرج أبو جعفر. ثم ندم السفاح على ذلك فأمر أبا جعفر بالكف عنه.
وكان أبو جعفر قبل ذلك بحران وسار منها إلى الأنبار وبها السفاح، واستخلف على حران مقاتل بن حكيم العكي.
وحج أبو جعف وأبو مسلم، وكان أبو جعفر على الموسم.
وفيها مات زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب.

.ذكر موت السفاح:

في هذه السنة مات السفاح بالأنبار لثلاث عشرة مضت من ذي الحجة، وقيل: لاثنتي عشرة مضت منه، بالجدري؛ وكان له يوم مات ثلاث وثلاثون سنة، وقيل: ست وثلاثون، وقيل: ثمان وعشرون سنة. وكانت ولايته من لدن قتل مروان إلى أن توفي أربع سنين؟. ومن لدن بويع له بالخلافة إلى أن مات أربع سنين وثماينة أشهر، وقيل: وتسعة أشهر، منها ثمانية أشهر يقاتل مروان وكان جعداً، طويلاً، أبيض، أقنى الأنف، حسن الوجه واللحية.
وأمه ريطة بنت عبد الله بن عبد المدان الحارثي، وكان وزيره أبا الجهم بن عطية.
وصلى عليه عمه عيسى بن علي ودفنه بالأنبار العتيقة في قصره. وخلف تسع جباب، وأربعة أقمصة فيهما وشمس في الناس، ولا يوجد، وهما:
يا آل مروان إن الله مهلككم ** ومبدل بكم خوفاً وتشريدا

لا عمر الله من إنشائكم أحداً ** وبثكم في بلاد الخوف تطريدا

قال: فعلت ذلك فدخلت قلوبهم مخافة.
قال جعفر بن يحيى: نظر السفاح يوماً في المرآة، وكان أجمل الناس وجهاً، فقال: أللهم إني لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول: اللهم عمرني طويلاً في طاعتك ممتعاً بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام. فتطير من كلامه وقال: حسببي الله ولا قوة إلا بالله، عليك توكلت، وبك أستعين. فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى واتصل مرضه فمات بعد شهرين وخمسة ايام.

.ذكر خلافة المنصور:

وفي هذه السنة عقد السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد بالخلافة من بعده وجعله ولي عهد المسلمين، ومن بعد أبي جعفر ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي، وجعل العهد في ثوب وختمة بخاتمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى بن موسى.
فلما توفي السفاح كان أبو جعفر بمكة، فأخذ البيعة لأبي جعفر عيسى ابن موسى وكتب إليه يعلمه وفاة السفاح والبيعة له، فلقيه الرسول بمنزل صفية فقال: صفت لنا إن شاء الله. وكتب إلى أبي مسلم يستدعيه، وكان أبو جعفر قد تقدم، فأقبل أبو مسلم إلليه. فلما جلس وألقى إليه كتابه قرأه وبكى واسترجع ونظر إلى أبي جعفر وقد جزع جزعاً شديداً فقال: ما هذا الجزع وقد أتتك الخلافة؟ قال: أتخوف شر عمي عبد الله بن علي وشغبه علي. قال: لا تخفه فأنا أكفيكه إن شاء الله، وإنما عامة جنده ومن معه أهل خراسان وهم لا يعصونني. فسري عنه. وبايع له أبو مسلم والناس، وأقبلا حتى قدما الكوفة.
وقيل: إن أبا سملم هو الذي كان تقدم على أبي جعفر فعرف الخبر قبله فكب إليه: عافاك الله ومتع بك، إنه أتاني أمر أقطعني وبلغ مني مبلغاً لم يبلغه مني شيء قط، وفاة أمير المؤمنين، فنسأل الله أن يعظم أجرك ويحسن الخلافة عليك، وإنه ليس من أهلك أحد أشد تعظيماً لحقك وأصفى نصيحة لك وحرصاً على ما يسرك مني. ثم مكث يومين وكتب إلى أبي جعفر ببيعنه، وإنما أراد ترهيب أبي جعفر.
قال: ورد أبو جعفر زياد بن عبيد الله إلى مكة، وكان عاملاً عليها وعلى المدينة للسفاح؛ وقيل: كان قد عزله قبل موته عن مكة وولاها العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس.
ولما بلغ عيسى بن موسى الناس لأبي جعفر أرسل إلى عبد الله بن علي بالشام يخبره بوفاة السفاح وبيعة المنصور ويأمره بأخذ البيعة للمنصور، وكان قد قدم قبل ذلك على السفاح فجعله على الصائفة وسير معه أهل الشام وخراسان، فسار حتى بلغ دلوك ولم يدرك فأتاه موت السفاح، فعاد بمن معه من الجيوش وقد بايع لنفسه.

.ذكر الفتنة بالأندلس:

وفي هذه السنة خرج في الأندلس الحباب بن رواحة بن عبد الله الزهري ودعا إلى نفسه واجتمع إليه جمع من اليمانية، فسار إلى الصميل وهو أمير قرطبة، فحصره بها وضيق عليه، فاستمد الصميل يوسف الفهري أمير الأندلس، فلم يفعل لتالي الغلاء والجوع على الأندلس ولأن يوسف قد كره الصميل واختار هلاكه ليستريح منه.
وثار بها أيضاً عامر العبدري وجمع جمعاً واجتمع مع الحباب على الصميل وقاما بدعوة بني العباس.
فلما اشتد الحصار على الصميل كتب إلى قومه يستمدهم، فسارعوا إلى نصرته واجتمعوا وساروا إليه، فلما سمع الحباب بقربهم سار الصميل عن سرقسطة وفارقها، فعاد الحباب؟إليها وملكها، واستعمل يوسف الفهري الصميل على طيلطلة.

.ذكر عدة حوادث:

كان على الكوفة عيسى بن موسى، وعلى الشام عبد الله بن علي، وعلى مصر صالح بن علي، وعلى البصرة سليمان بن علي، وعلى المدينة زياد بن عبيد الله الحارثي، وعلى مكة العباس بن عبد الله بن معبد.
وفيها مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو ربيعة الرأي، وقيل: مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وأربعين ومائة. وفيها مات عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وفيها توفي عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الفرسي، وإنما قيل له الفرسي، بالفاء، نسبة إلى فرس له. وعطاء بن السائب أبو زيد الثقفي. وعروة بن وريم.
وفي هذه السنة قدم أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين من مكة فدخل الكوفة فصلى بأهلها الجمعة وخطبهم وسار إلى الأنبار فأقام بها وجمع إليه أطرافه، وكان عيسى بن موسى قد أحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين حتى قدم عليه أبو جعفر، فسلم الأمر إليه. ثم دخلت:

.سنة سبع وثلاثين ومائة:

.ذكر خروج عبد الله بن علي وهزيمته:

قد ذكرنا مسير عبد الله بن علي إلى الصائفة في الجنود، وموت السفاح، وإرسال عيسى بن موسى إلى عمه عبد الله بن علي يخبره بموته ويأمره بالبيعة لأبي جعفر المنصور، وكان السفاح قد أمر بذلك قبل وفاته.
فلما قدم الرسول على عبد الله بذلك لحقه بدلوك، وهي بأفواه الدروب، فأمر منادياً فنادى: الصلاة جامعة! فاجتمعوا عليه، فقرأ عليهم الكتاب بوفاة السفاح ودعا الناس إلى نفسه، وأعلمهم أن السفاح حين أراد أن يوجه الجنود إلى مروان بن محمد دعا بني أبيه فأرادهم على المسي إليه فقال: من انتدب منكم فسار إليه فهو ولي عهدي، فلم ينتدب له غيري، وعلى هذا خرجت من عنده وقتلت من قتلت، وشهد له أبو غانم لطائي وخفاف المروروذي وغيرهما من القواد، فبايعوه، وفيهم حميد بن قحطبة وغيرهم من أهل خراسان والشام والجزيرة، إلا أن حميداً فارقه، على ما نذكره.
ثم سار عبد الله حتى نزل حران، وبها مقاتل العكي قد استخلفه أبو جعفر لما سار إلى مكة، فتحصن منه مقاتل، فحصره أربعين يوماً.
وكان أبو مسلم قد عاد من الحج مع المنصو، كما ذكرناه، فقال للمنصور: إن شئت جمعت ثيابي في منطقتي وخدمتك، وإن شئت أتيت خراسان فأمددتك بالجنود، وإن شئت سرت إلى حرب عبد الله بن علي. فأمره بالمسير لحرب عبد الله، فسار أبو مسلم في الجنود نحو عبد الله، فلم يتخلف عنه أحد، وكان قد لحقه حميد بن قحطبة فسار معه، وجعل على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعي.
فلما بلغ عبد الله، وهو يحاصر حران، إقبال أبي مسلم خشي أن يهجم عليه عطاء العتكل أماناً، فنزل إليه فيمن معه وأقام معه أيايماً، ثم وجهه إلى عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي بالقرقة ومعه ابناه وكتب معه كتاباً.
فلما قدموا على عثمان دفع العتكي الكتاب إليه، فقتل العتكي واحتبس ابنيه، فلما هزم عبد الله قتلهما.
وكان عبد الله بن علي قد خشي أن لا يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحواً من يبعة عشر ألفاً واستعمل حميد بن قحطبة على حلب، وكتب معه كتاباً إلى زفر بن عاصم عاملها يأمره بقتل حميد إذا قدم عليه، فسار حميد والكتاب معه، فلما كان ببعض الطريق قال: إن ذهابي بكتاب لا أعلم ما فيه لغرر. فقرأه، فلما رأى ما فيه أعلم خاصته ما في هذا الكتاب وقال: من أراد المسير معي منكم فليسر. فاتبعه ناس كثير منهم، وسار على الرصافة إلى العراق.
فأمر المنصور محمد بن صول بالمسير إلى عبد الله بن علي ليمكر به، فلما أتاه قال له: إني سمعت أبا العباس يقول الخليفة بعدي عمر عبد الله. فقال له: كذبت، لإنما وضعك أبزو جعفر. فضرب عنقه.
ومحمد بن صول هو جد إبرايهمبن العباس الكاتب الصولي.
ثم أقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه، وقدم أبو مسلم فيمن معه، وكان المنصور قد كتب إلى الحسن بن قحطبة، وكان خليفته بأرمينية، يأمره أن يوافي أبا مسلم، فقدم على أبي مسلم بالموصل، وأقبل أبو مسلم فنزل ناحية نصيبين فأخذ طريق الشام، ولم يعرض لعبد الله، وكتب إليه: إني لم أومر بقتالك ولكن أمير المؤمنين ولاني الشام فأنا أريدها. فقال من كان مع عبد الله من أهل الشام لعبد الله: كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا ويسبي ذرارينا؟ ولكن نخرج إلى بلادنا فمنعه ونقاتله. فقال لهم عبد الله: إنه والله ما يريد الشام وما توجه إلا لقتالكم، وإن أقمتم ليأتينكم. فأبوا إلا المير إلى الشام، وأبو مسلم قريب منهم، فارتحل عبد الله نحو الشام، وتحول أبو مسلم فنزل في معسكر عبد الله بن علي في موضعه وعور ما حوله من المياه وألقى فيها الجيف.
وبلغ عبد الله ذلك فقال لأصحابه: ألم أقل لكم؟ورجع فنزل في موضع سعكر أبي مسلم الذي كان به، فاقتتلوا خمسة أشهر وأهل الشام أكثر فرساناً وأكمل عدة، وعلى ميمنة عبد الله بكار بن سلم العقيلي، وعلى ميسرته حبيب ابن سويد الأسدي، وعلى الخيل عبد الصمد بن علي أخو عبد الله، وعلى ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة، وعلى ميسرته خازم بن خيزمة، فاقتتلوا شهراً.
ثم إن أصحاب عبد الله حملوا على ععسكر أبي مسمل فأزالوهم عن مواضعهم ورجعوا، ثم حمل عليهم عبد الصمد بن علي في خيل مجردة فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ورجع في أصحابه، ثم تجمعوا وحملوا ثانية على أصحاب أبي مسلم فأزالوا صفهم وجالوا جولةً، فقيل لأبي مسلم: لو حولت دابتك إلى هذا التل ليراك الناس فيجعوا فإنهم قد انهزموا. فقال: إن أهل الحجى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال. وأمر منادياً فنادى: يا أهل خراسان ارجعوا فإن العافية لمن اتقى.فتراجع الناس.وارتجز أبو مسلم يومئذ فقال:
من كان ينوي أهله فلا رجع ** فر من الموت وفي الموت وقع

وكان قد عمل لأبي مسلم عريش، كان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال، فإن رأى خللاً في الجيش سده وأمر مقدم تلك الناحية بالاحتياط وبما يفعل، فلا تزال رسله تختلف إليهم حتى ينصرف الناس بعضهم عن بعض.
فلما كان يوم الثلاثاء والأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين التقوا فاقتتلوا، فمكر بهم أبو مسلم، وأمر الحسن بن قحطبة أن يعبيء الميمنة أكثرها إلى الميسرة وليترك في الميمنة حماعة أصحابه وأشداءهم، فلما رأى ذلك أهل الشام أعروا ميسرتهم وانضموا إلى ميممنتهم بإزاء ميسرة أبي مسلم، وأمر أبو سملم أهل القلب أن يحملوا مع من بقي في ميمنته على ميسرة أهل الشام فحملوا عليهم فحطموهم، وجال القلب والميمنة وركبهم أصحاب أبي مسلم، فانهزم أصحاب عبد الله، فقال عبد الله بن علي لابن سراقة الأزدي: يا ابن سراقة ما ترى؟ قال: أرى أن تصبر وتقاتل حتى تموت، فإن الفرار قبيح بمثلك وقد عبنته على مروان. قال: فإني أتي العاق. قال: فأنا معك. فانهزموا وتركوا عسكرهم، فحواه أبو سملم وكتب بذلك إلى المنصور، فأرسل أبا الخصيب مولاه يحصي ما أصابوا من العسكر، فغضب أبو مسلم.
ومضى عبد الله وعبد الصمد ابنا علي، فأما عبد الصمد فقدم الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فأمنه المنصور، وقيل: بل أقام عبد الصمد بن علي بالرصافة حتى قدمها جمهور بن مرار العجلي في خيول أرسلها المنصور، فأخذه فبعث به إلى المنصور موثقاً مع أبي الخصيب فأطلقه؛ وأما عبد الله بن علي فأتى أخاه سليمان بن علي بالبصرة فأقام عنده زماناً متوارياً.
ثم إن أبا مسلم آمن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكف عنهم.